قال الله تعالى:" وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "، آل عمران/97.
تعريف الحج
الحجّ (بفتح الحاء وكسرها): الحَج والحِج، لغتان قرئ بهما في قول الله تعالى:" وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا "، آل عمران/97، فقراءة حفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، وأبي جعفر على النّحو التالي:" وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا "، وباقي القرّاء يقرؤونها:" وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ".
وأمّا الحجّ لغةً فهو: القصدُ إلى كلِّ شيء، فخصَّه الشرع بقصد معيّن ذي شروط معلومة، وقيل أنّ الحجّ لغةً: القصد إلى الشيء المعظَّم، وقيل الحجّ هو: القصد للزيارة، كما قال الشاعر: يحجُّون بيت الزبرقان المعصفر. وقيل: الحَِجُّ - بفتح الحاء وكسرها -: القصد، وقيل: الحجُّ: القصدُ والكفُّ، وقصد مكة للنسك، وهو حاجٌّ، وحاجِجٌ، جمعه: حُجاج، وحجيج، وحاجةٌ: من حواجّ. ويُقال: الحجُّ: القصد، ثمّ غلب في الاستعمال الشّرعي والعرفيّ على حجّ بيت الله تعالى وإتيانه، فلا يُفهم عند الإطلاق إلا هذا النّوع الخاصّ من القصد؛ لأنّه هو المشروع الموجود كثيراً، وقيل: كثرة القصد إلى من يُعظَّم. وأمّا الحج شرعاً فهو: القصد لبيت الله تعالى بصفةٍ مخصوصةٍ، في وقتٍ مخصوصٍ، بشرائطَ مخصوصةٍ.
حكم الحج
لإنّ الأصل في حكم الحجّ هو الوجوب في الكتاب، والسّنة، والإجماع، فأمّا الدّليل من الكتاب فقوله سبحانه وتعالى:" وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "، آل عمران/97، وحرف عَلى: يدلُّ على الإيجاب، لا سيّما إذا ذُكر المستحقّ، وقد أتبعه بقوله تعالى:" وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "، ليوضّح أنّ من لم يعتقد بوجوب الحجّ فهو كافر، وأنّ وضع الله عزّ وجلّ للبيت، ووجوب الحجّ إليه، إنّما هو لمنفعة النّاس، لا لحاجته سبحانه وتعالى إلى الحجّاج، لأنّ الله سبحانه وتعالى غنيّ عن العالمين.
وأمّا الأدلة من السّنة النّبوية فكثيرة، منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" نُهينا أن نسأل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية، العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمّد أتانا رسولك فزعم لنا أنّك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: صدق، قال: فمن خلق السّماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السّماء، وخلق الأرض، ونصب الجبال، الله أرسلك؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، فقال: صدق، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاةً في أموالنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال نعم، قال: وزعم رسولك أنَّ علينا صومَ شهر رمضان في سنتنا، قال صدق، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال: صدق، قال: ثم ولَّى، قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهنَّ ولا أنقص منهنَّ، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: لئن صدق ليدخلنّ الجنّة "، رواه مسلم. وأمّا الإجماع فقد أجمعت الأمّة على أنّ الحجّ واجب على من استطاع في العمر مرّةً واحدةً، وقال الإمام ابن المنذر:" وأجمعوا على أنّ على المرء في عمره حجّةً واحدةً: حجّة الإسلام، إلا أن ينذر نذراً، فيجب عليه الوفاء به "، وقال ابن تيمية:" وقد أجمع المسلمون في الجملة على أنّ الحجَّ فرضٌ لازمٌ ".
مواقيت الحج
إنّ للحج مواقيتاً زمانيّةً لا ينعقد إلا فيها، وله مواقيت مكانيّة أيضاً يجب على من أراد الحجّ أن يُحرم منها، ولا يجوز له أن يتجاوزها إلا مُحرماً. أمّا الميقات الزّماني فهو شوّال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة، آخرها طلوع الفجر يوم العيد، وبالتالي فإنّ الإحرام للحجّ في غير هذه المدّة لا ينعقد حجّاً. وأمّا الميقات المكاني ففيه قسمان، أولهما أنّ من كان بمكة من أهلها أو غريباً فإنّ ميقاته بالحجّ نفس مكّة، وقيل مكّة وسائر الحرم. وهناك قولان للشافعي، الأوّل أنّه يحرم من باب داره، والثّاني من المسجد القريب من البيت، ومن المستحبّ أن يكون الإحرام بمكة للمقيم في يوم التّروية، وهو اليوم الثّامن من ذي الحجّة. وأمّا غير المقيم بمكّة فله خمس مواقيت، وهي:
* ذو الحليفة: وهو ميقات من توجّه من المدينة المنوّرة، وهو بعيد عن المدينة نحو ستة أميال.
*الجحفة: وهو ميقات من توجّه من الشّام على طريق تبوك، ومن توجّه من مصر والمغرب.
*قَرن: وتسمّى أيضاً بقرن المنازل، وهذا ميقات من توجّه من نجد الحجاز ونجد اليمن.
*يلملم: وهو ميقات من توجّه من تهامة، وهي بعض من اليمن.
*ذات عرق: وهي ميقات من توجّه من المشرق، مثل خراسان والعراق
شروط الحج
إنّ الحجّ يجب بتوافر خمسة شروط، وهي على النّحو الآتي:
- الإسلام: وذلك لقوله تعالى:" إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا "، التوبة/28، ولأنّه لا يصحّ من غير المسلمين ذلك، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:" بعثني أبو بكر الصّديق في الحجّة التي أمَّره عليها رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قبل حجّة الوداع في رهط يؤذنون في النّاس يوم النّحر: أن لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان "، وهذا لفظ البخاري، وأمّا لفظ مسلم:" لا يحجُّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ".
-تمام العقل: فإنّه لا حجّ ولا عمرة على مجنون، وذلك كسائر العبادات، إلا أن يعود إلى رشده، وذلك لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النّائم حتى يستيقظ، وعن الصّبي حتى يحتلم "، رواه أبو داوود.
-وصول البلوغ: فإنّه لا يجب الحجّ على الصّبي الذي لم يحتلم حتى يتمّ ذلك، وذلك للحديث السّابق، ولو أنّ الصّبي حجّ فحجّه صحيح، ولكنّ ذلك لا يجزئه عن حجّة الإسلام، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّ امرأة رفعت إلى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - صبيّاً فقالت:" ألهذا حجّ؟ قال: نعم، ولك أجر "، رواه مسلم. -الحريّة الكاملة: فإنّ الحجّ لا يجب على المملوك، ولكن إن حجّ فإنّ حجّه صحيح، ولا يجزئه ذلك عن حجّة الإسلام، وذلك لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:" ... وأيّما عبد حجّ ثمّ عتق فعليه حجّة أخرى "، أخرجه الشافعي، والبيهقي، والحاكم، وغيرهم. الاستطاعة على الحجّ: وذلك لقول الله تعالى:" وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً "، آل عمران/97. وقد فسّرت هذه الآية على يد كثير من أهل العلم بما روي مرفوعاً:" أنّ رجلاً سأل عمّا يوجب الحجّ، فقيل له: الزّاد والرّاحلة "، المناسك لابن ماجه.
- وجود المحرم: وهذا شرط خاصّ بالمرأة فقط، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّه سمع النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يقول:" لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله إنّ امرأتي خرجت حاجّةً، وإنّي اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا: قال: انطلق فحجّ مع امرأتك "، متفق عليه. وبالتالي فإنّه لا يجوز للمرأة أن تحجّ إلا مع زوج أو محرم لها.
أركان الحج
للحجّ أركان لا يتمّ إلا بها، وهي على النّحو التالي:
+ الإحرام: ويعني نيّة الدّخول في النّسك، ومن ترك هذه النّية فإنّ حجّه لم ينعقد، وذلك لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول:" إنّما الأعمال بالنّيات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى "، متفق عليه، وقال ابن المنذر:" وأجمعوا على أنّه إن أراد أن يهلَّ بحجّ فأهلّ بعمرة، أو أراد أن يهلّ بعمرة فلبَّى بحجٍّ، أنَّ اللازم له ما عقد عليه قلبه، لا ما نطق به لسانه ".
+وقوف عرفة: وذلك لقوله تعالى:" فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الحرَامِ "، البقرة/198، لأنّ الإفاضة من عرفة إنّما تكون بعد أن يتمّ الوقوف فيها، وهذا هو الرّكن الذي يفوت الحجّ بفواته، وذلك لحديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه قال: شهدت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وهو واقف بعرفة، وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول الله كيف الحجّ؟ قال:" الحجّ عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تمَّ حجّه، أيام منى ثلاثة، " فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ "، ثمّ أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بهنّ "، رواه ابن ماجه، وقال ابن المنذر:" وأجمعوا على أنّ الوقوف بعرفة فرض، لا حج لمن فاته الوقوف بها ".
+طواف الإفاضة: وذلك بعد الإفاضة من عرفة ومزدلفة، وذلك لقوله تعالى:" وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق "، الحج/29، ولحديث عائشة رضي الله عنها، قالت:" حججنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فأفضنا يوم النّحر، فحاضت صفية، فأراد النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - منها ما يريد الرّجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنّها حائض، قال: أحابستنا هي؟ قالت عائشة: يا رسول الله، إنّها قد كانت أفاضت، وطافت بالبيت، ثمّ حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" فلتنفر إذاً "، متفق عليه.
+السّعي بين الصّفا والمروة: وذلك لحديث حبيبة بنت أبي تجزئة قالت:" دخلنا على دار أبي حسين في نسوة من قريش، والنّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يطوف بين الصّفا والمروة، قالت: وهو يسعى يدور به إزاره من شدَّة السّعي وهو يقول لأصحابه: اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي "، رواه أحمد، والحاكم، وغيرهما، وقالت عائشة رضي الله عنها:" ما أتم الله حجّ من لم يطف بين الصّفا والمروة "، متفق عليه.
تعريف الحج
الحجّ (بفتح الحاء وكسرها): الحَج والحِج، لغتان قرئ بهما في قول الله تعالى:" وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا "، آل عمران/97، فقراءة حفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، وأبي جعفر على النّحو التالي:" وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا "، وباقي القرّاء يقرؤونها:" وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ".
وأمّا الحجّ لغةً فهو: القصدُ إلى كلِّ شيء، فخصَّه الشرع بقصد معيّن ذي شروط معلومة، وقيل أنّ الحجّ لغةً: القصد إلى الشيء المعظَّم، وقيل الحجّ هو: القصد للزيارة، كما قال الشاعر: يحجُّون بيت الزبرقان المعصفر. وقيل: الحَِجُّ - بفتح الحاء وكسرها -: القصد، وقيل: الحجُّ: القصدُ والكفُّ، وقصد مكة للنسك، وهو حاجٌّ، وحاجِجٌ، جمعه: حُجاج، وحجيج، وحاجةٌ: من حواجّ. ويُقال: الحجُّ: القصد، ثمّ غلب في الاستعمال الشّرعي والعرفيّ على حجّ بيت الله تعالى وإتيانه، فلا يُفهم عند الإطلاق إلا هذا النّوع الخاصّ من القصد؛ لأنّه هو المشروع الموجود كثيراً، وقيل: كثرة القصد إلى من يُعظَّم. وأمّا الحج شرعاً فهو: القصد لبيت الله تعالى بصفةٍ مخصوصةٍ، في وقتٍ مخصوصٍ، بشرائطَ مخصوصةٍ.
حكم الحج
لإنّ الأصل في حكم الحجّ هو الوجوب في الكتاب، والسّنة، والإجماع، فأمّا الدّليل من الكتاب فقوله سبحانه وتعالى:" وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "، آل عمران/97، وحرف عَلى: يدلُّ على الإيجاب، لا سيّما إذا ذُكر المستحقّ، وقد أتبعه بقوله تعالى:" وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "، ليوضّح أنّ من لم يعتقد بوجوب الحجّ فهو كافر، وأنّ وضع الله عزّ وجلّ للبيت، ووجوب الحجّ إليه، إنّما هو لمنفعة النّاس، لا لحاجته سبحانه وتعالى إلى الحجّاج، لأنّ الله سبحانه وتعالى غنيّ عن العالمين.
وأمّا الأدلة من السّنة النّبوية فكثيرة، منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" نُهينا أن نسأل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية، العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمّد أتانا رسولك فزعم لنا أنّك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: صدق، قال: فمن خلق السّماء؟ قال: الله، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله، قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: الله، قال: فبالذي خلق السّماء، وخلق الأرض، ونصب الجبال، الله أرسلك؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا، فقال: صدق، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاةً في أموالنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال نعم، قال: وزعم رسولك أنَّ علينا صومَ شهر رمضان في سنتنا، قال صدق، قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولك أنّ علينا حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال: صدق، قال: ثم ولَّى، قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهنَّ ولا أنقص منهنَّ، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: لئن صدق ليدخلنّ الجنّة "، رواه مسلم. وأمّا الإجماع فقد أجمعت الأمّة على أنّ الحجّ واجب على من استطاع في العمر مرّةً واحدةً، وقال الإمام ابن المنذر:" وأجمعوا على أنّ على المرء في عمره حجّةً واحدةً: حجّة الإسلام، إلا أن ينذر نذراً، فيجب عليه الوفاء به "، وقال ابن تيمية:" وقد أجمع المسلمون في الجملة على أنّ الحجَّ فرضٌ لازمٌ ".
مواقيت الحج
إنّ للحج مواقيتاً زمانيّةً لا ينعقد إلا فيها، وله مواقيت مكانيّة أيضاً يجب على من أراد الحجّ أن يُحرم منها، ولا يجوز له أن يتجاوزها إلا مُحرماً. أمّا الميقات الزّماني فهو شوّال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة، آخرها طلوع الفجر يوم العيد، وبالتالي فإنّ الإحرام للحجّ في غير هذه المدّة لا ينعقد حجّاً. وأمّا الميقات المكاني ففيه قسمان، أولهما أنّ من كان بمكة من أهلها أو غريباً فإنّ ميقاته بالحجّ نفس مكّة، وقيل مكّة وسائر الحرم. وهناك قولان للشافعي، الأوّل أنّه يحرم من باب داره، والثّاني من المسجد القريب من البيت، ومن المستحبّ أن يكون الإحرام بمكة للمقيم في يوم التّروية، وهو اليوم الثّامن من ذي الحجّة. وأمّا غير المقيم بمكّة فله خمس مواقيت، وهي:
* ذو الحليفة: وهو ميقات من توجّه من المدينة المنوّرة، وهو بعيد عن المدينة نحو ستة أميال.
*الجحفة: وهو ميقات من توجّه من الشّام على طريق تبوك، ومن توجّه من مصر والمغرب.
*قَرن: وتسمّى أيضاً بقرن المنازل، وهذا ميقات من توجّه من نجد الحجاز ونجد اليمن.
*يلملم: وهو ميقات من توجّه من تهامة، وهي بعض من اليمن.
*ذات عرق: وهي ميقات من توجّه من المشرق، مثل خراسان والعراق
شروط الحج
إنّ الحجّ يجب بتوافر خمسة شروط، وهي على النّحو الآتي:
- الإسلام: وذلك لقوله تعالى:" إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا "، التوبة/28، ولأنّه لا يصحّ من غير المسلمين ذلك، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:" بعثني أبو بكر الصّديق في الحجّة التي أمَّره عليها رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قبل حجّة الوداع في رهط يؤذنون في النّاس يوم النّحر: أن لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان "، وهذا لفظ البخاري، وأمّا لفظ مسلم:" لا يحجُّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ".
-تمام العقل: فإنّه لا حجّ ولا عمرة على مجنون، وذلك كسائر العبادات، إلا أن يعود إلى رشده، وذلك لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النّائم حتى يستيقظ، وعن الصّبي حتى يحتلم "، رواه أبو داوود.
-وصول البلوغ: فإنّه لا يجب الحجّ على الصّبي الذي لم يحتلم حتى يتمّ ذلك، وذلك للحديث السّابق، ولو أنّ الصّبي حجّ فحجّه صحيح، ولكنّ ذلك لا يجزئه عن حجّة الإسلام، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّ امرأة رفعت إلى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - صبيّاً فقالت:" ألهذا حجّ؟ قال: نعم، ولك أجر "، رواه مسلم. -الحريّة الكاملة: فإنّ الحجّ لا يجب على المملوك، ولكن إن حجّ فإنّ حجّه صحيح، ولا يجزئه ذلك عن حجّة الإسلام، وذلك لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديث ابن عباس رضي الله عنهما:" ... وأيّما عبد حجّ ثمّ عتق فعليه حجّة أخرى "، أخرجه الشافعي، والبيهقي، والحاكم، وغيرهم. الاستطاعة على الحجّ: وذلك لقول الله تعالى:" وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً "، آل عمران/97. وقد فسّرت هذه الآية على يد كثير من أهل العلم بما روي مرفوعاً:" أنّ رجلاً سأل عمّا يوجب الحجّ، فقيل له: الزّاد والرّاحلة "، المناسك لابن ماجه.
- وجود المحرم: وهذا شرط خاصّ بالمرأة فقط، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّه سمع النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يقول:" لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله إنّ امرأتي خرجت حاجّةً، وإنّي اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا: قال: انطلق فحجّ مع امرأتك "، متفق عليه. وبالتالي فإنّه لا يجوز للمرأة أن تحجّ إلا مع زوج أو محرم لها.
أركان الحج
للحجّ أركان لا يتمّ إلا بها، وهي على النّحو التالي:
+ الإحرام: ويعني نيّة الدّخول في النّسك، ومن ترك هذه النّية فإنّ حجّه لم ينعقد، وذلك لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول:" إنّما الأعمال بالنّيات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى "، متفق عليه، وقال ابن المنذر:" وأجمعوا على أنّه إن أراد أن يهلَّ بحجّ فأهلّ بعمرة، أو أراد أن يهلّ بعمرة فلبَّى بحجٍّ، أنَّ اللازم له ما عقد عليه قلبه، لا ما نطق به لسانه ".
+وقوف عرفة: وذلك لقوله تعالى:" فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الحرَامِ "، البقرة/198، لأنّ الإفاضة من عرفة إنّما تكون بعد أن يتمّ الوقوف فيها، وهذا هو الرّكن الذي يفوت الحجّ بفواته، وذلك لحديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه قال: شهدت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وهو واقف بعرفة، وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا: يا رسول الله كيف الحجّ؟ قال:" الحجّ عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تمَّ حجّه، أيام منى ثلاثة، " فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ "، ثمّ أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بهنّ "، رواه ابن ماجه، وقال ابن المنذر:" وأجمعوا على أنّ الوقوف بعرفة فرض، لا حج لمن فاته الوقوف بها ".
+طواف الإفاضة: وذلك بعد الإفاضة من عرفة ومزدلفة، وذلك لقوله تعالى:" وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق "، الحج/29، ولحديث عائشة رضي الله عنها، قالت:" حججنا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فأفضنا يوم النّحر، فحاضت صفية، فأراد النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - منها ما يريد الرّجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنّها حائض، قال: أحابستنا هي؟ قالت عائشة: يا رسول الله، إنّها قد كانت أفاضت، وطافت بالبيت، ثمّ حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" فلتنفر إذاً "، متفق عليه.
+السّعي بين الصّفا والمروة: وذلك لحديث حبيبة بنت أبي تجزئة قالت:" دخلنا على دار أبي حسين في نسوة من قريش، والنّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يطوف بين الصّفا والمروة، قالت: وهو يسعى يدور به إزاره من شدَّة السّعي وهو يقول لأصحابه: اسعوا فإنّ الله كتب عليكم السعي "، رواه أحمد، والحاكم، وغيرهما، وقالت عائشة رضي الله عنها:" ما أتم الله حجّ من لم يطف بين الصّفا والمروة "، متفق عليه.
0 التعليقات :
إرسال تعليق